المعني:
أنا: ال "أنا": مظهر الهُويّة, حيث ظهرت الأنا بوجود الأنت و هو حضرة النبي صلي الله عليه و سلم بعد تعيينه في حضرة التعيين الأول (غيب الأحديّة) من حضرة العماء, المشار إليها بال (هُو) , أو بالذات الساذج, قبل مرحلة الأحدية التي هي مرحلة ال"أنا",
يقول رب العزة في الحديث القدسي: "كنت كنزاً مخفيّاً فأردت أن أعرف فخلقتُ الخلق و تعرفت إليهم فبي عرفوني"
, و بدؤه القصيدة الأولي من الديوان بحرف ال (أنا) إشارة إلي ذاته الظاهر, أي: ذات الشيخ, لأن الأنا هي مظهر الذّات, و يتدرج هذا من ربّ العزة جلّ و علا, فحضرة النبي, فأكابر الأولياء, يقول تعالي, مخاطبا سيدنا موسي عليه السلام:
(إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى) طه 10
و في الحديث عَنْ سَيّدِنَا أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه،
أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, قَالَ:
"أَنَا سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ وَلا فَخْرَ، وَأَنَا أَوَّلُ مَنْ تَنْشَقُّ عَنْهُ الأَرْضُ وَلا فَخْرَ، وَأَنَا أَوَّلُ مَنْ يَأْخُذُ بِحَلَقَةِ بَابِ الْجَنَّةِ وَلا فَخْرَ، وَلِوَاءُ الْحَمْدِ بِيَدِي وَلا فَخْرَ",
فالخطاب الذّاتي هُنا مهمّته التعريف بذات المتكلم, و قال سيدي إبراهيم الدسوقي رضي الله عنه:
إِذَا شِئتَنِي فَاطْلُبْنِي و اسْألْنِي فِي أَنَا *** أَنَا فَي أَنَا إِنِّي أنَا فِي أنَا نَفْسِي
فِي أنا إنّي: فِي: ظرفية لتعيين المكان, أنا: الأنا الإلهية الظاهرة في إنّي: الأنا النبوية, هذه, هي الخاصة بحضرة النبي صلي الله عليه و سلم - مظهر الهوية و باطنها الله, إنّي: إشارة لغيب الأحدية, إذا إنّي هي الأنا مع ظهور الياء للاشباع إشارة لحضرة الأحديّة
و إنّي: الأنا الخاصة بحضرة النبي صلي الله عليه و سلم
فِي أنَا: ظاهرة في (أنا) الإلهية المعبّر عنها بقوله تعالي:
(إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي) طه 14
رَحِيقِيَ مَختُومٌ بِمِسكِ الحَقِيقَةِ: الآية:
(يُسْقَوْنَ مِن رَّحِيقٍ مَّخْتُومٍ , خِتَامُهُ مِسْكٌ وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ) المطففين 25,26
و المعنيون بالشراب في الاية هم الأبرار و المقربين.
الرحيق: الخالص الصافى و يُقصد به الخمر, الشراب, كناية عن العلوم و التجلّيات الإلهية, فهم هناك يسقون من رحيق مختوم ختامه مسك، ورحيق الازهار: ما تفرزه لاجتذاب الحشرات، ومسك رحيق: لا غش فيه وحب رحيق: خالص لا تشوبه شائبة. و الرّحيق هو العصارة, و كونه مختومٌ أي ظل مدخّراً لأبنائه لم يفضّ لغيرهم. و هذا هو شراب الوصل, قال رضي الله عنه:
شَرَابُ الْوَصْلِ مَخْتُومٌ وَسِرِّي *** شِفَاءٌ لاَ شَرِبْتُمْ غَيْرَ مِنَّا (1 ق 56)
المِسك ما هو؟ يعتبر المسك ملك الأطياب والمسك كلمة عربية هي اسم لطيب من الأطياب القليلة التي مصادرها حيوانية, وقد ورد ذكر المسك في القرآن الكريم (كما ورد في الآية أعلاه).و ثبت في صحيح مسلم عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال:
"أطيب الطيب المسك"
وفي الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها:
"كنت أطيب النبي صلى الله عليه وسلم قبل ان يحرم ويوم النحر, وقبل ان يطوف بالبيت بطيب فيه مسك.
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
(مَثَلُ الْجَلِيسِ الصَّالِحِ وَالْجَلِيسِ السَّوْءِ كَمَثَلِ صَاحِبِ الْمِسْكِ وَكِيرِ الْحَدَّادِ لا يَعْدَمُكَ مِنْ صَاحِبِ الْمِسْكِ إِمَّا تَشْتَرِيهِ أَوْ تَجِدُ رِيحَهُ وَكِيرُ الْحَدَّادِ يُحْرِقُ بَدَنَكَ أَوْ ثَوْبَكَ أَوْ تَجِدُ مِنْهُ رِيحًا خَبِيثَةً).
و كون ختامه مسك فإن ذلك في أرقي مراقي الإحسان, من غيب الأحدية, صُفت لها الأملاك عند نزولها, تنشق من ذلك الرحيق المختوم, قال رضي الله عنه:
شَرَابِيَ عَذْبٌ سَلْسَبِيلٌ مَذَاقُهُ *** وَعِلْمِيَ كَنْزٌ فِي قُلُوبِ أَحبَّتِي (7 ق 1)
تنبيه:
كان لا بد من الوقوف عند البيت الأول بتمهّلٍ, فالتائية هي المحكم و "أم الكتاب" من ديوان شراب الوصل - كما الفاتحة و القرآن الكريم (جدّها من أبٍ لها). البيت الأول بمقام البسملة للقرآن و البسملة هي سر الفاتحة, إذن كل الديوان أجمل في هذا البيت, و عندما تقرأ أي بيت تجده راجعاً لهذا البيت